الثلاثاء، 30 ديسمبر 2014

الاتجاهات النظرية لعلم الأنثروبولوجيا


1 - النظرية التطورية : تؤمن هذه النظرية أنّ المجتمعات تنتقل عند تطورها من البسيطة البدائية إلى المركبة المعقدة مثلما تتطور الأجزاء العضوية في الكائن البايولوجي عندما ينمو, وينطبق ذلك تماماً على الحضارات الإنسانية فإنّها تطورت عبر مراحل عديدة حتى وصلت إلى مرحلتها الراهنة, وعلى ضوء ذلك فإنّ هناك حضارات دنيا أفرزتها المجتمعات البدائية وحضارات تمثل قمّة التقدم الحضاري والثقافي أفرزتها مجتمعات متطورة, ويتم التطور عبر خط مستقيم ومتصاعد تشكل كل مرحلة أساساً لما بعدها حسب نظام لا يزاغ عنه يرتكز على ثلاثة قواعد هي حتمية التطور وتصاعدية المسار وتعاقب المراحل, ولعل أبرز من أنضج الصورة من الفلاسفة هو أوغست كونت في قانونه الاجتماعي الذي يرسم ثلاثة مراحل لتطور الحضارة هي المرحلة اللاهوتية والمرحلة الميتافيزيقية ومرحلة العلوم العقلية, فهو يرى أنّ التطور الحضاري يتبع خطاً معيناً خلال مراحل واضحة نحو غاية يمكن استجلاؤها وتقصيها لكن كونت اختلف عن الآخرين بأنه ركز على معايير روحية وليس تقنية, ثمّ بعد كونت أثار سبنسر فكرة  توحيد الأفكار الخاصة بالتطور الاجتماعي مع نظرية التطور العضوي البايولوجية, مبيناً أنّ قوانين العلوم الطبيعية تنطبق على العلوم الاجتماعية في تقدم وتطور المجتمعات, ثمّ رأى التنويريون بالقرن الثامن عشر والتاسع عشر نفس الرؤيا, فقد طرح مونتسيكو نظرية تطورية للمجتمعات تتكون من ثلاثة مراحل هي مرحلة الصيد أو الوحشية ومرحلة الرعي أو الهمجية ثمّ مرحلة الحضارة, ولاقت هذه النظرية رواجاً بالقرن التاسع عشر من قبل المفكرين الاجتماعيين أمثال مورغان وتايلر ثمّ من التنويريين ظهر الاسكتلندي فيرجسون الذي طور نظرية التطور الثقافي فذهب إلى أن مرحلة البربرية تتميز عن المرحلة الوحشية بظهور الملكية الخاصة, ووصف مرحلة الحضارة التي أعقبت المشاعية البدائية بظهور المجتمع المتمدن الراقي خلقياً ذو النظم السياسية غير الاستبدادية.
لقد ظهر بالقرن التاسع عشر جيل من علماء الأنثروبولوجية التطوريون أثرت أعمالهم تأثيراً بالغاً على هذا العلم معتمدين على شواهد ثقافية مقارنة وتاريخية وأثرية للتقدم الاجتماعي والثقافي الشامل ولأصول بعض النظم الاجتماعية مثل الدين والزواج والأسرة ومن أبرزهم مورغان الذي أثرت نظريته على أعمال ماركس وأنجلز ولو أنّ ماركس أثر بوجود حركة التطور من الأنقص إلى الأكمل عبر المواقف لكنه يرى أنّ الجوهر المحرك لهذا التطور هو المادة وليس الروح التطورية المطلقة فهو اعتبر المادة هي أصل الوجود, المهم أنّ هذا الاتجاه التطوري بالتقدم والرقي يراه البعض بشكل خط مستقيم ويراه آخرون يشكل خطاً متعرجاً ومنهم ماركس وهيجل ومنهم من يراه بشكل لولبي بدورات تسير للأمام لكن لا تعود إلى أصلها بل تذهب صعوداً أو نزولاً لكنها تسير باتجاه الأمام, وآخرون يرونه بأشكال أخرى والمهم في هذا كلّه هو مفهوم التقدم السائر في الاتجاه ومن منطلق إلى غاية لكن مع بدايات القرن العشرين تحدت الدراسات الأنثروبولوجية ما كان سائداً بالقرن التاسع عشر وأوضحت أنّ لكل مجتمع حضارة خاصة به تميزه عن الحضارات الأخرى ونسفت فكرة الحضارات الدنيا والعليا لتراث حضاري انتقل بأقنية حضارية من جيل إلى جيل وأوضحت أن التطور البايولوجي العضوي شيء مادي لا يمكن أن يقارن بالشيء الفكري والذوق الذي تبنى به الحضارات وأن مروجي ذلك من العلماء الذي يصنفون الناس على أساس بايولوجي يؤيدون العنصرية التي تضع العرق (الآري) في قمة الأجناس الأخرى بغض النظر عن الأمور السياسية, وأكدوا أن توزع الإنسان ضمن سلالات يخضع لعوامل غير بايولوجية فبرزت بهذا الاتجاه نظرية (ألاحدية) التاريخية في الولايات المتحدة مؤكدة العمل مع شعوب غير غربية للرد على النظريات التخمينية حول العلاقة بين العرق واللغة والثقافة وقد فسح نقد المدرسة التطورية هذا مجالاً واسعاً لظهور المدرسة الوظيفية والبنيوية للأنثربولوجيا فوصفت المجتمع وشرحت الثقافة استناداً إلى وظائفها ورغم الدفاع المستميت لأنصار التطورية من الأنثروبولوجيين الذي استخدموا المبادئ التالية في حججهم:



يرى علماء الأنثروبولوجية  الاجتماعية أنّ انتشار السمات الثقافية لمجتمع ما قريباً أو بعيداً يساعد على تهيئة الظروف بأحداث التغيير الثقافي أو الانتقال من مرحلة إلى أخرى في المجتمع الذي حلت به تلك السمات وبهذا يرى الانتشاريون أهمية الاتصال الثقافي أو التفاعل بين الجماعات لكي تنتقل السمات الثقافية من مجتمع لآخر وقد قسم الأنثروبولوجيون أفكار وآراء عموم علماء الأنثروبولوجية  بهذه الصدد إلى ثلاثة مدارس أساسية: أولاها البريطانية وهذه ترى أنّ مصر بأهراماتها وعبادة الشمس من قبل فراعنتها كانت هي المراكز الذي انتشرت منه الحضارة فقلدها العراقيون والمكسيك واليابانيون فيعتقد الانتشاريون أنّ هذه الأبنية الضخمة لا يمكن ابتداع إنشائها بواسطة تلك الشعوب فالناس يميلون للاستعارة أكثر من الابتكار وقد اسند هؤلاء انتشار صناعة النسيج والخزف والفنون ونظم الحكم والإدارة والديانة إلى نفس النظرية , وثانيتها الأمريكية فهي تؤيد الانتشار بأنّ فكرة الملامح المميزة لثقافة ما قد وجدت في مركز ثقافي محدد ثم انتقلت إلى مناطق أخرى, لكن هذه المدرسة تؤيد احتمال التطور المتوازي المستقل , كما تنتقد تناول البريطانية لموضوع انتشار السمة الثقافية الذي رأت أنّه يجري بطريقة ضحلة لأنّ الموضوع يجب أن يدرس من جانب قبول أو رفض السمة أو حتى مجرد تعديلها بالمجتمع الذي حلت فيه, أما الثالثة فهي مدرسة الاتجاه التاريخي التي ترى التركيز على جميع الحقائق من تاريخ الثقافات والشعوب وذلك بدراسة ديناميات الثقافة وتفاعل الثقافات من خلال التحليل المقارن للأنماط الثقافية والدراسة المرتكزة على المادة الاثنوغرافية المحددة والتي تعين على مسار الثقافة وتفاعلها, لكن يرى أصحاب هذا الرأي أنّ المعرفة الاثنوغرافية المتوفرة حالياً لدى الأنثروبولوجيون لا تمكنهم من وضع نظريات موضوعية عن الحياة الاجتماعية لهذه الشعوب ولكن ربما يأتي اليوم الذي يتمكن به الأنثروبولوجيون من ذلك.
4 – الاتجاه البنيوي: لقد نشأت الأنثروبولوجيا البنيوية في فرنسا وتطورت على يد الباحث الأنثروبولوجي شتراوس فمفهوم البنية ينظره يتكون من عناصر يكون من شأن أي تحول يطرأ على أحدها أن يحدث تحولاً في باقي العناصر الأخرى, لأنها ما هي إلا نسق أو نظام متكامل ويوضح شتراوس مفهومه للبنية بما يلي: يرى شتراوس أنّ العبرة في دراسة الظواهر أو النظم الاجتماعية هي الوصول إلى العلاقة القائمة بينها لكن واقع حقيقية الظواهر لا تتمثل في ظاهرها على نحو ما تبدو للملاحظة بالعين بل تكمن على مستوى أعمق وهو مستوى دلالتها, مثال أنّ الظواهر الاجتماعية الكثيرة التي يدرسها عالم الاجتماع من طقوس وعقائد وأساطير يربطها جميعها شيء مشترك هو (البيئة) والتي هي عبارة عن العلاقات الثابتة القائمة بين وقائع متنوعة وهذه الوقائع هي الظواهر التجريبية نفسها, فالبيئة بنظر شتراوس هي العلاقات القائمة بين الأشياء والتي يعتبرها أبسط من الأشياء نفسها, فما هو القاسم المشترك الذي يربط الطقوس والعقائد والأساطير لمجتمع ما فهذا القاسم المشترك أو هذا الرابط هو الأنثروبولوجيا البنيوية, فمثلاً في أي مجتمع نجد أن اللغة هي القاسم المشترك الرابط بين كل نشاطات ووقائع ذلك المجتمع سواء طقوسه أو عقائده أو أساطيره, فالتفاعل الرمزي يعطيك مضمون ودلالات تلك النشاطات والوقائع, وأوضح شتراوس أنّ النظرية البنيوية ترفض التعارض بين (العيني) و (التجريد) فهي لا تعطي قيمة ممتازة للمجرد فالصورة العيانية تتحدد قيمتها بمقارنتها بمادة غريبة عنها لكن البيئة لا تمتلك مضموناً مادياً متمايزاً وإنما هي نفسها المضمون المدرَك داخل تنظيم منطقي منظور إليه باعتباره خاصية الواقع أو النشاط أو الظاهرة, وهي من وجهة شتراوس منهج وليس نظرية.

هناك 7 تعليقات:

  1. أبحث عن كتب في علم الانثروبولوجيا مترجمة إلى العربية ..إن وجد أرجو تزويدي بالعناوين وشكرا

    ردحذف
    الردود
    1. كاين كتاب ليس باللغة الاجنبية للدكتور رابح درواش اسمو الانثروبولوجيا العامة

      حذف
  2. ماهو النقد الموجه للنظرية البنيوية

    ردحذف
  3. في اي قرن تندرج هذه النظريات

    ردحذف
  4. اي كتاب يتحدث بالتفصيل عن النظرية التطورية مع نقدها

    ردحذف